"النار بالنار"... و"الحب بالحب" رغم العنصرية لِتبقى الإنسانية هي العلاقة الأسمى بين البشر!

13:00
06-04-2023
أميرة عباس
"النار بالنار"... و"الحب بالحب" رغم العنصرية لِتبقى الإنسانية هي العلاقة الأسمى بين البشر!

 يقول سقراط:"الفن مجرّد وسيلة لغاية أخلاقية"، وترد عليه المدرسة السفسطائية بالقول أنّ "الفن للفن فقط"، ومن منبع هذه الفلسفة الإغريقية لتوصيف الفن، نقف أمام مدرستيْن، الأولى تعتبر أنّ الفن وسيلة حيث يجب أن يحمل رسالة أخلاقية، فيما ترى المدرسة الثانية أنّ الفن هو للفن من باب الترفيه فقط. ومع مفهوم عصرنا الراهن، تأتي المسؤولية الأكبر على صنّاع الفن كي يُقدّموا مزيجاً من الاثنين حتى نصل إلى مصاف "الفن الهادف" الذي يؤثّر على الرأي العام من خلال توجيه رسالة اجتماعية معيّنة دون التخلّي عن ماهية الترفيه. ولقد استطاع مسلسل "النار بالنار" في الموسم الدرامي الرمضاني الراهن على تبنّي هذه المعادلة في نقل الواقع ضمن قالب فني مميّز مع إيصال رسالة حب للتخلّي عن العنصرية في زمن موجع يعاني فيه ضحايا الأنظمة الفاسدة من المُرّ والأَمَر.

منذ عرض أولى حلقاته، استطاع مسلسل "النار بالنار" جذب الجمهور، ومع منتصف هذا الموسم يستمر العمل في تشويق المُشاهدين دون أن تشوبه أي مماطلة درامية. وكلمة حق تُقال بأنّ البطل الأول في هذا العمل هو القصة لكاتبها رامي كوسا، ففي البدء كانت الكلمة، وبعدها أتت العناصر الفنية الأخرى خاصة الأداء البارع لجميع شخصياته ببطولة جماعية بين عابد فهد، جورج خبّاز، كاريس بشار، طارق تميم، زينة مكي، ساشا دحدوح والذين سنتوقّف عندهم في مقال آخر مع نهاية هذا الموسم.

وبالحديث عن هذا العمل، نشير إلى أنّه شكّل حالة صدمة لِما ينقله من واقعية فذّة لاسيّما في مشهد من الحلقة الخامسة بين مريم (كاريس بشار) وعزيز (جورج خباز) حيث وصّف مدى العنصرية بين الشعبيْن اللبناني والسوري نشاهدها لأول مرة عبر الشاشة الفضية. ومع عرض حلقاته الواحدة تلو الأخرى، نجد كيف يُنوّه هذا العمل بأنّ الشعبيْن هما ضحايا لواقع مرير نعيشه في ظل الأزمات الاجتماعية، المعيشية والاقتصادية حيث أنّ الظلم لا يُميّز بين إنسان وآخر على اختلاف الجنسيات والأديان!

وأمام هذا الظلم الذي يقع على جميع أبناء الحي من لبنانيين وسوريّين ورغم كل هذه العنصرية، تبقى الإنسانية هي العلاقة الأسمى بين البشر وقتما تضطرهم الظروف للإتحاد معاً في وجه الظلم، ولعلّ المعنى الرمزي في قصة رؤى مع زوجها زكريا (طوني عيسى) في الحلقة الثالثة عشر هو خير دليل على تضامن اللبنانيّين والسوريّين من أبناء هذا الحي ضد الظالم، إذ اتفقت اللبنانية سارة (زينة مكي) مع السورية مريم (كاريس بشار) على مساعدة رؤى للهروب من زوجها المُعنِّف، وذلك مع أنّهما لا تتفقان أبداً! طبعاً عداك عن أنّ قصة هذه الفتاة الصغيرة أي رؤى تعكس قضايا أخرى مثل الزواج المبكّر، التعنيف الأسري وممارسة السلطة الذكورية إلخ...

هذه الأحداث وغيرها ضمن السياق الدرامي للعمل تكشف لنا أنّ الكره هو "قشرة" يمكننا نزعها والغوص في اللّب لأنّ لبّ الإنسان وأصله هو كتلة عاطفية سامية قبل أن يدخل الشر في قلبه لظروف خارجية معينة، لذلك لا بد من العودة إلى هذا الأصل ويُقابله الآخر بِالمِثل ليكون "الحب بالحب" عوضاً عن "النار بالنار".