العزلة الجينية: مفتاح جديد لفهم انقراض إنسان نياندرتال
ظل سبب انقراض إنسان نياندرتال، الذي عاش في أوراسيا حتى حوالي 40 ألف سنة قبل الميلاد، واحدًا من أكبر الألغاز في علم الأحياء البشرية. فمن بين النظريات التي تتحدث عن التغيرات المناخية والأوبئة، تبرز دراسة جديدة كإضافة مهمة لفهمنا لهذه المسألة. وتركز هذه الدراسة على عينة من وادي رون تعود إلى مجموعة من إنسان نياندرتال التي عاشت في عزلة جينية لمدة 50 ألف سنة، مما يطرح احتمالًا جديدًا يتعلق بالعزلة الجينية كسبب محتمل لانقراضهم.
نذكر أنّ إنسان نياندرتال هو نوع من البشر المنقرض السلالة الذي عاش في أوراسيا بين حوالي 400,000 و40,000 سنة مضت. كان يتميز ببنية قوية وعضلية، مع جمجمة كبيرة وفك قوي، ما يعكس تكيفه مع الظروف البيئية الباردة في أوروبا وغرب آسيا. مارس الصيد وجمع الثمار، وطور أدوات حجرية، وأبدع في التحكم بالنار. تفاعل مع الإنسان العاقل، ومن المحتمل أن يكون قد حدث تزاوج بينهما، مما يترك أثرًا جينيًا على البشر المعاصرين. ورغم وجود عدة نظريات حول أسباب انقراضه، مثل التغيرات المناخية أو الأمراض أو التنافس مع الإنسان العاقل، فإن التفاصيل الدقيقة لا تزال غير مؤكدة. الدراسات الحديثة تشير إلى أن البشر المعاصرين، خاصة من أصول غير إفريقية، يحملون جزءًا من الحمض النووي لإنسان نياندرتال، مما يعكس التفاعل بين الأنواع ويضيف عمقًا لفهم تطور الإنسان الحديث.
عُثر على العينة المعروفة باسم "ثورين" في عام 2015 في كهف ماندرين في فرنسا، وهي واحدة من أهم الاكتشافات المتعلقة بإنسان نياندرتال منذ عام 1978. يشير الباحث لودوفيك سليماك من المركز الوطني للبحوث العلمية إلى أن الدراسة التي نشرت في مجلة "سيل جينوميكس" تسلط الضوء على فترة زمنية غامضة حيث كان من الصعب فهم كيفية اختفاء إنسان نياندرتال الذي كان منتشراً من إسبانيا إلى سيبيريا.
في هذا الإطار، التحليلات الجينية للعينة تكشف أن "ثورين" ينتمي إلى مجموعة من أقدم إنسان نياندرتال في أوروبا، حيث انفصلت سلالتها عن السلالات الأخرى منذ حوالي 105 آلاف سنة. هذا التباعد الجيني، الذي أدى إلى عزلة تامة لمدة 50 ألف سنة، قد يكون قد أثر بشكل كبير على قدرتهم على التكيف مع التغيرات البيئية والتحديات الصحية، مما ساهم في انقراضهم.
تشير الدراسة إلى أن هذه العزلة الجينية قد أدت إلى تقييد التنوع الجيني، مما قلل من قدرة إنسان نياندرتال على التكيف مع التغيرات المناخية والأوبئة. في المقابل، كان الإنسان العاقل يتبادل الجينات بشكل أوسع، مما ساعده على التكيف مع بيئات متعددة وتغيرات عالمية.
وتفتح هذه الدراسة آفاقًا جديدة لفهم أسباب انقراض إنسان نياندرتال، مشيرة إلى أن العزلة الجينية قد تكون عاملًا رئيسيًا في اختفائهم. يعزز هذا الاكتشاف أهمية التنوع الجيني في قدرة الأنواع على البقاء والتكيف مع التحديات البيئية والبيولوجية. وفي ضوء هذه النتائج، يمكن أن تكون هناك حاجة لإعادة تقييم العوامل التي ساهمت في انقراض إنسان نياندرتال وفهم أعمق لكيفية تأثير العزلة الجينية على استمرارية الأنواع.
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية