من زمن الكوليرا إلى زمن الكورونا... شائعات على طريقة بينوكيو إلكتروني في ظل دور الإعلام!
3/2/1... بهذا العد التنازلي إستقبلنا عام 2020 بِفرح قبل أن نكتشف ما ينتظرنا في هذا العام -صاحب الرقم المميّز- لكن ما أن مرّت بضعة أيام وأسابيع وصولاً للشهر الثالث من هذا العام حتى شعر الجميع بهذه الهالة من الذبذبات السلبية حول الكون التي فرضها وباء "كورونا"... ومع ذلك هيّا بنا نتحلّى ببعض الطاقة الإيجابية كي نؤمن بأنّنا سنتخطّى تلك المرحلة تماماً مثلما فعلت الأجيال السابقة التي قاومت إنتشار "الكوليرا"، "الجراد"، و"الكساد الإقتصادي" في زمن الحربيْن العالميّتيْن ولم ينتهِ العالم حينذاك!
"كورونا" وأزمات إقتصادية خلال الحرب العالميّة الحديثة
لا شكّ في أنّنا اليوم نعيش حرب عالمية حديثة لن نُصنّفها بالترقيم العددي لِنسمّيها بالحرب العالمية الثالثة لأنّ بعض المؤرّخين يعتبرون أنّ الحرب الباردة التي إنتهت عام 1991 هي الحرب العالمية الثالثة التي كانت عبارة عن مواجهة إيديولوجية، سياسية وعسكرية.
أما الحرب الحديثة التي نعيشها منذ مطلع الألفية الثالثة فهي تتّسم بحرب العقول وسلاحها العلم والتكنولوجيا، وهذه الحرب راهناً تشهد على تصنيع بيولوجي لِوباء "كورونا" تزامناً مع أزمة إقتصادية للعديد من الدول خاصة ما بعد زمن ثورات الربيع العربي... وهنا لا بد من إسترجاع التاريخ بمحطاته الرئيسيّة لنطرح التساؤل التالي:"أليْس من المستغرب أنّ هذا العالم بأسره عرَف وباء الكوليرا وجحافل الجراد والمجاعة خلال الحرب العالمية الأولى، كما شهد على أزمة إقتصادية كبرى خلال الحرب العالمية الثانية، مثلما يشهد على وباء كورونا مع أزمات إقتصادية في الحرب العالمية الحديثة؟!"... وكم يُشبه ما حدث حينذاك ما يحدث راهناً لكن بأساليب أكثر تطوّراً وحداثة!
الكوليرا والجراد خلال الحرب العالمية الأولى
تفشّى الكوليرا خلال الحرب العالمية الأولى التي إمتدت منذ عام 1914 حتى عام 1918 وهو يُعرف بإسم "الوباء السادس" وكان متواجداً قبل هذه الحرب لكنّه تفشّى بشكل أكبر خلالها، ويقول بعض علماء التاريخ أنّ وباء الكوليرا تمّ إستخدامه خلال الحرب العالمية الأولى كنوع من أنواع الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية التي تُستخدم لإلحاق الأذى في قوات الخصم ضمن المنافسة غير الشريفة في الحرب.
أيضاً خلال الحرب العالمية الأولى، هاجمت جحافل الجراد العديد من الشعوب حيث وصلت بلادهم والتهمت "الأخضر واليابس" ومنها لبنان وما تسبّب ذلك من أمراض ومجاعة حتى أطلق اللبنانيون وقتذاك على 1915 اسم "عام الجراد".
الجراد الصحراوي خلال الحرب العالمية الثانية
كتب المُتخصّص في تاريخ الخليج داخل المكتبة البريطانية جون هايهرست ذات مرة مقالاً يُوثّق معلومات حول إنتشار الجراد خلال الحرب العالمية الثانية حيث يقول في مقاله أنّه تمت معالجة نقص الأغذية في منطقة الشرق الأوسط الناتج عن أسراب الجراد الصحراوي عن طريق شن حرب طواها النسيان بالرغم من نجاحها الأساسي والتي دعمها المسؤولون البريطانيون. وهذا ما حصل تحديداً خلال شهر نيسان/ أبريل 1945 حينما كانت الحرب العالمية مشتعلة في أوروبا.
الأزمة الإقتصادية ما بين الحربيْن تشبه الأزمة الراهنة!
Great Depressionهو المصطلح الذي يصف به المؤرّخون الأزمة الإقتصادية الكبرى التي أتت كنتيجة من نتائج الحرب العالمية الأولى وسبباً من أسباب قيام الحرب العالمية الثانية. وهي معروفة بإسم الكساد الكبير أو الإنهيار الكبير أي الأزمة الاقتصادية التي حدثت في عام 1929 مروراً في عقد الثلاثينيات وبداية عقد الأربعينيات، وتُعتبر أكبر وأشهر الأزمات الإقتصادية في القرن العشرين.
هذا يتشابه مع ما يحصل اليوم، لذلك لا بد من إستعراض بعض ما صرّح به أهم الإقتصاديّين حيث يُحذّرون منذ العام 2019 من حدوث ركود إقتصادي عالمي بالتزامن مع أزمات مالية وأبرزها الحواجز التجارية التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية تجاه مجموعة من الدول، خاصة الصين، وأدى ذلك إلى تراجع معدل النمو في الاقتصاد العالمي لنحو 3% في عام 2019، متراجعاً عن 3.7% في 2018، وها هي الولايات المتحدة الأميركية اليوم تُحاول إغلاق حدود كافة الدول مع الصين بسبب "كورونا"...!
كي تتخطّى هذه المرحلة لا تستمع إلى "أكاذيب بينوكيو"!
مع إستعراض بعض ما شهده التاريخ وما يُشبِه من أوضاع تحدث اليوم، نشير إلى أنّنا نشهد على حرب حديثة غير مُعلَن عنها ولكن عالمنا سيتخطّى ما يحدث راهناً بالرغم من الأزمات الإقتصادية وتفشّي "كورونا"... لكن كي نتخطّى هذه المرحلة يجب علينا ألّا نستمع إلى "أكاذيب بينوكيو"... فمَن مِنّا لا يتذكّر القصة الأسطورية بينوكيو؟! هذه الشخصية الكرتونية إرتبطت إرتباطاً وثيقاً بصفة الكذب حيث كان "بينوكيو" طفل مشاغب وكاذب وكلّما كذب يبرز أنفه أكثر وأكثر، أمّا في عصرنا الحديث وتحديداً في ظل ما يشهده العالم اليوم، فإنّ بينوكيو يظهر بصورة إلكترونية مُغايرة عبر بث الشائعات لتخويف الرأي العام وفرض حرب نفسية عبر مواقع التواصل الإجتماعي، فبالرغم من أهمية "سوشيال ميديا" لأنّها تزوّدنا بالمعلومات بطريقة سريعة إلّا أنّ هذه الوسيلة هي سيف ذو حدّين لأنها قد تبث الشائعات، وهنا يكمن دور الإعلام في فرض سلطته الرابعة ورفض التعتيم الإعلامي الذي تفرضه الطبقة السياسية الحاكمة، وذلك من أجل أن يتمكّن الإعلام من نشر التوعية مع المعلومات الصحيحة لِدحض الشائعات في زمن "كورونا" ومواجهة سلاح الحرب العالمية الحديثة!
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية