في ذكراها الثالثة، الصبّوحة: خليكو فاكريني!
في الذكرى الثالثة لرحيل الأسطورة صباح (جانيت فغالي - 10 تشرين الثاني 1927 - 26 تشرين الثاني 2014) أقصّ عليكم هذه الحكاية:
..وصلت برفقة نجمة الستينات هيام يونس، وفاتنة السبعينات جورجيت صايغ إلى مركز إقامة الشحرورة في الحازمية.. لحظات امام إحدى غرف الطابق الثالث في فندق متواضع دارت خلالها في رؤوسنا عشرات المشاهد أبسطها مثلا "الشحرورة التي هزّت مصر بأفلامها، ورفعت اسم لبنان بصوتها، وجالت العالم ناشرة فنها.. هي هنا تقطن في شقة قوامها غرفتين متواضعتين"..
فجاة، تكسّر الصمت وفتح الباب.. الهواء في الداخل لا يشبه أي مكان آخر، مطعّم بالمجد، ملوّن بالعزّة، يحمل معه نسمة حب للحياة.. دخلنا وجلسنا ننتظر لقاء الأسطورة.. وما هي الاّ لحظات حتى دخلت على كرسيّها المتحرّك ترافقها وهرة غريبة ورهبة تفرضها حتى على نجمات عاصرنها مثل هيام وجورجيت! اقتربنا منها وقبّلنا يديها اللتين رسمت التجاعيد عليهما قصّصا وحكايات لا تدركها سوى بنت وادي شحرور.
بترحاب وتأهيل خاص استقبلتنا وسألت مساعدتها اين القهوة والحلويات؟ تعشيّتو أو منتعشى سوا؟ فاجابتها يونس "جايين نشوفك يا ست صباح" فنظرت الصبوحة الى هيام وقالت لها بنبرة الخبيرة "كيفو زوجك؟ انتبهي ما إلك غيرو، الفن ما بدوم"! وتابعت بتحسّر "نحنا معشر الفنانين اذ ما انتبهنا على أزواجنا منختم حياتنا برفقة الشبابيك والأبواب"!
التفتت الى جورجيت صايغ وبادرتها قائلة"ليش ما عم تغنيّ، بعدك حلوة، شقري شعرك شوي ورجعي غني، بيلبقلك" فدمعت عينا صايغ وقالت: "ما فعلته الصبوحة مع الفنانين ومعي انا تحديدا ما حدا بيعملو!". خجلت الأسطورة من ثناء طالما أطرب أذنها فغيّرت مجرى الحديث وقالت: "عطاني غنيّة الياس الرحباني، الله يطوّل بعمرو، بتقول "صبو فوقك النار وجبالك خضرا تعلا، وجبينك صامد بوج بواريد الدنيي كلاّ"... مش رح يعرف يرتاح هالبلد، ما بيشبعو هالسياسيين من المشاكل؟! آآخ شو غنينا انا ووديع، ما خلينا بلد ما برمنا وغنينا للبنان.. قلبي مقهور عوديع كتير"! ومن ثم تستدرك "أنا بحب كل الفنانين، بعمري ما كان عندي مشكل مع حدا، وفيروز كمان حبيبة قلبي، أصيلة اتصلت سألت عن صحتي من فترة!" وتستطرد "انشالله اذا بدن يعملو مسلسل عن وديع وفيروز يعملو شي حلو مش متل ما عملو معي!"
الشحرورة تتكلّم ونحن نتابع حديثها بانسجام، وكل منّا يقول في صمته: "الله يا صبوحة، ما زلت سيدة الكلام. حتى في عزّ مرضك كلامك منمّق، أنيق كفساتينك التي ما زالت محطّ أنظار أشهر مصممي الأزياء!"
خيّم الصمت للحظات قليلة فشعرت بأبعاد نظراتنا وتلمّست حزننا الدفين على واقعها المرير فبادرت قائلة "كتر خير الله، مرحلة المرض صعبة، بس عمبتمر عليي عمهلا" وغيّرت الموضوع بسؤال وجّهته لي "حضرت الفيلم اللي غنيت في ساعات ساعات؟" ودندنتها بصوت خفّ بريق صباه وجرّحته قساوة الايام الماضية. فسألتها: "صبوحة، ما اشتقت للشاشة؟" فأجابتني بعد تنهيدة طويلة "اشتقت كتير، انا بتنفس ناس وحياة وتلفزيون وموسيقى" وراحت تعيد شريط ذكرياتها وتتحسّر "الله عهديك الايام، مروّا بسرعة كتير"! حاولت السيدة يونس ترطيب الأجواء فغنّت وبصوت مرتفع "يانا يانا، يانا يانا" فابتسمت الصبوحة ودندنتها أيضا ثم همست "هيدي أكتر غنيّة بحبّا، بتذكرني بقصص حلوة كتير"..
سألتها كلودا "مبسوطة بصفحتك عالفيسبوك يا خالتي" فاجابتها "ايه، بس ما بعرف استخدمو" وسألت السيدتان صايغ ويونس بخفّة دمها المعهودة "انتو عندكن فيس بوك؟" فضحكنا جميعا وعلّقت الصبوحة "من زمان كان كل شي صعب بس كان بسيط أكثر من هالايام! خلص تغيّرت هالدني كتير بس بتضلّ الحياة حلوة" وبعد تنهيدة طويلة تابعت "يمكن صار لازم روح لعند يلي سبقوني من الفنانين الكبار.. ايه اشتقت لفريد ولرشدي.." فابدرتها صايغ "الله يطوّل بعمرك يا أسطورة، انت بركة الفن العربي".
وطالت الجلسة التي كثر فيها الغناء وتجمّلت فيها الذكريات إلى ان تعبت الصبوحة وبخجل طلبت من كلودا أن تدخلها غرفتها، فاستجابت ملاكها الحارس واستعدّت لتنفيذ طلبها، أما الشحرورة فنظرت نظرتها الطفوليّة، وبدلع يميّز صاحبة الشعر الأشقر مذ كانت في عزّ عطائها ودّعتنا بكلمة " خاليكو فاكريني"!
فراس حليمة
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية